فصل: مسألة شجر بينه وبين أختانه أمر فقالوا طلق أختنا فقال إن ارتحلت عني اليوم فهي طالق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يتخذ على غريمه يمينا بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه رأس الهلال أو يرهنه داره:

وسئل عن الرجل يتخذ على غريمه يمينا بطلاق امرأته البتة ليقضينه حقه رأس الهلال أو يرهنه داره، فلما حل الأجل أراد أن يقضيه نصف الحق ويرهنه نصف الدار ثم أرهنه الدار كلها، قال: يقضيه حقه كله وإلا حنث، قال: ولو قال امرأته طالق إن لم أوفك إلى الهلال حقك أو رهنا بحقك، فأعطاه بعض الحق وأعطاه ببقيته رهنا يكون في الرهن وفاء لما بقي لم يلحقه من يمينه شيء.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة متكررة والقول فيها في سماع أبي زيد من كتاب النذور والمعنى فيها بين وبالله التوفيق.

.كتاب الأيمان بالطلاق الثالث:

.مسألة شجر بينه وبين أختانه أمر فقالوا طلق أختنا فقال إن ارتحلت عني اليوم فهي طالق:

كتاب الأيمان بالطلاق الثالث ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار وسئل عن رجل شجر بينه وبين أختانه أمر فقالوا: طلق أختنا، فقال: إن ارتحلت عني اليوم فهي طالق، فأتى إليها إخوتها فقالوا: إن زوجك قد طلقك، فأخذوا متاعها ورحلوها ومتاعها إلى أنفسهم وهي لا تعلم ما كان من أمر زوجها ولا ما قال، إلا ما قال لها إخوتها إن زوجك قد طلقك، فلما كان بعد يوم أو يومين أو ثلاث أخبرت بالذي كان من أمر زوجها، فقالت والله ما علمت ولا انتقلت من هواي إلا أنهم قالوا إن زوجك قد طلقك.
فقال: إن علم ذلك وشهد على ما قالت، أو ادعته بالشهود فلا طلاق عليه.

.مسألة قال إن ارتحلت عني امرأتي فهي طالق:

لسحنون في كتاب ابنه أنها طالق وإن علم ذلك وشهد عليه لم ينفعه، ووقع قوله أيضا في بعض الروايات من الكتاب، وقول ابن القاسم أظهر على المشهور في المذهب من مراعاة المقاصد في الأيمان في أن الزوج إنما أراد فيما يظهر من مقصده أنها طالق إن ارتحلت عاصية له في ارتحالها عنه راضية بفراقه، فإذا لم ترتحل إلا وهي تظن أنه طلقها على ما أخبرها به إخوتها لم يقع عليه طلاق، وقول سحنون يأتي على مراعاة ما يقضيه اللفظ دون الاعتبار بالمعنى، ونحوه ما وقع في رسم البز من سماع ابن القاسم، وقد قال ابن دحون: إن قول سحنون أحسن قال: لأنه يلزم علي قول ابن القاسم في رجل قال إن سألت امرأتي الطلاق طلقتها فأتي إليه فقيل له: قد سألت الطلاق وكذب له فطلق ألا يلزمه ذلك، ولا اختلاف أنه يلزمه وإن ثبت أنه كذب له، فإن قيل إنما يلزمه؛ لأنه كان عليه أن يتثبت، قيل له: وكذلك المرأة.
قال محمد بن رشد: ولا يلزم ابن القاسم ما ألزمه سحنون لأن المسألتين مفترقتان لأن هذا الذي كذب له، وقد أخطأ على نفسه في تطليق زوجته فلا عذر له في الخطأ على نفسه في ذلك الذي قال إن ارتحلت عني امرأتي فهي طالق قيل إن الطلاق يقع عليه بمجرد الارتحال دون مراعاة المعنى الذي يظهر من قصد الحالف، وإليه ذهب سحنون على معنى قول مالك في مسألة رسم البز من سماعه، وقيل إن الطلاق لا يقع عليها إذا لم ترتحل على الوجه الذي أراد وإلى هذا ذهب ابن القاسم وبالله التوفيق.

.مسألة قال امرأته طالق إن كان شرب مسكرا:

قال ابن القاسم: لو أن رجلا أخذ وبه رائحة شرب فقال امرأته طالق إن كان شرب خمرا، فشهد عليه أنها رائحة مسكر فقال ما أردت إلا الخمر بعينها.
فقال: ينوي في ذلك ويكون القول قوله، ولو قال امرأته طالق إن كان شرب مسكرا فقد جمع كل شيء، فإن شهد عليها أنها رائحة مسكر فقد لزمه.
قال محمد بن رشد: قوله إنه ينوي في ذلك ويكون القول قوله مع قيام البينة عليه هو مثل ما في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود خلاف قول ابن القاسم في رسم يسلف من سماع عيسى من كتاب النذور لأنه قال هناك إنه لا ينوي إلا إذا أتى مستفتيا، وقد مضى القول على المسألة هنالك مستوفى فأغنى ذلك عن إعادته هنا.

.مسألة حلف بطلاق امرأته البتة إن كان بغاه عند رجل:

وعن رجل حلف بطلاق امرأته البتة إن كان بغاه عند رجل فشهد عليه شاهد أنه قد بغاه عند ذلك الرجل وشهد ذلك الرجل أنه قد بغاه عندي، أما ترى أن يلزمه الطلاق؟ قال: نعم أرى أن يلزمه الطلاق لأنه لا يتهم الذي أقر عنده في شيء من أمره، وإنما هو بمنزلة الرجل يحلف ما بغيتك عند فلان وفلان، فشهد فلان وفلان بعد اليمين أنه بغاه عندهما فتطلق عليه امرأته بشهادتهما.
قال محمد بن رشد: المسألة صحيحة، والحجة فيها ما ذكر من أنه لا يتهم الشاهد في شهادته أنه بغاه عندي إذ ليس في ذلك وجه يظهر من وجوه التهمة التي تبطل به الشهادة، وأما قياسه إياها على المسألة التي ساقها عليها فليس بقياس صحيح؛ لأنها هي المسألة بعينها، ولا يقاس الشيء على نفسه، وإنما يقاس على غيره بمعنى يجمع بينهما في وجوب الحكم وانتفائه، وهو ظاهر لا يخفى وضوحه وبالله التوفيق.

.مسألة حلف غريما له بطلاق امرأته أن يقضيه إلى أجل:

وسئل عن رجل حلف غريما له بطلاق امرأته أن يقضيه إلى أجل فلما حل الأجل قال الذي حلفه قد قضاني وليس على ذلك بينة إلا قوله.
فقال: إن كان من أهل الصدق وممن لا يتهم حلف مع شهادة صاحب الحق وحبس امرأته، وإن كان من أهل التهم لم يقبل ذلك منه حتى يأتي بشهيدين أنه قد قضاه، قال سحنون وروى ابن حبيب عن مالك أنه قال: إنما هذا إذا لم تكن على أصل يمينه بينة إلا إقرار منه بأنه حلف بطلاق امرأته أن يقضيه فقد قضاه ويقر له رب الحق، مثل ما يقول حلفت بالطلاق لأضربن فلانا فقد ضربته، أو لأعطين فلانا كذا وكذا فقد أعطيته، فالقول قوله في هذا كله بلا بينة إذا لم تكن على أصل بينة فيكون عليه الخروج بالبينة، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة قد مضى القول فيها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لامرأته بطلاقها إن خرجت من داره فأتاها سيل:

وقال ابن القاسم: قال مالك في رجل حلف لامرأته بطلاقها إن خرجت من داره فأتاها سيل أو أمر لم تستطع إلا الخروج أو الهرب عنه أو أخرجها صاحب الدار إن كانت بكراء فانقضى أمد الكراء، قال مالك لا حنث عليه إذا خرجت من أمر لم تستطع غير ذلك، فإذا رجعت رجع اليمين عليها، وإن ارتحل بها إلى دار غيرها فاليمين تلزمه حيث سكن.
قال محمد بن رشد: قوله ون تحول بها إلى دار غيرها معناه أن يتحول بها إلى دار غيرها حين أخرجها السيل عنها أو صاحب الدار بانقضاء أمد الكراء، وقد مضى هذا في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب، وأما لو تحول بها باختياره يحنث بذلك خلاف ما ذهب إليه ابن دحون، وقد مضى القول على ذلك في رسم إن خرجت فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاقها ألا يغرم في خياطة ثيابها شيئا:

وسئل عن رجل كسى امرأته ثيابا قطعها لها ودفعها لها إلى الخياط، ثم هاج بينه وبين امرأته شيء فحلف بطلاقها ألا يغرم في خياطتها شيئا فأراد أن يفتكها فيبيعها أو يحبسها لنفسه أو أراد بعض من يحق عليه مثل أخيه أو غيره أن يفتك تلك الثياب من الخياط من عنده.
قال: لا بأس أن يفتكها أخوه أو غيره ولا يفتكها هو لنفسه ولا لبيع إلا أن تكون نيته أراد ألا يفتكها لها.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال لأن اليمين يجب أن تحمل على ما يقتضيه عموم اللفظ من ألا يفتكها لنفسه ولا لها ولا أحد سواهما ولا لوجه من الوجوه إلا أن تكون له نية أنه أراد ألا يفتكها لها فتكون له نيته يريد ويصدق فيها مع يمينه وإن كانت عليه بينة لأنها نية محتملة لا تبعد بل تشبه، وأما افتكاك غيره للثياب من ماله للزوجة أو له فلا إشكال في أنه لا حنث عليه في ذلك لأنه لم يحلف إلا على ألا يفتكها هو وبالله التوفيق.

.مسألة له على رجل عشرة دنانير قائمة فتقاضاه فقال ليس لك عندي إلا دنانير:

وسئل عن رجل كان له على رجل عشرة دنانير قائمة فتقاضاه، فقال: ليس لك عندي إلا دنانير بخروبة خروبة، فحلف بطلاق امرأته ألا ينقصه من القائمة شيئا، ولم تكن عليه بينة، فخاصمه فلم يعد عليه إلا بدنانير بخروبة خروبة.
فقال: إن كان حلف ألا ينقصه فليأخذ ما قضى له به ولا ينقص له من حقه شيئا ولا يضع عنه منه شيئا، والله بينه وبينه، وإن كان أراد أن لا يأخذ منه إلا عشرة قائمة فلا يأخذ منه إلا عشرة قائمة.
قال محمد بن رشد: قوله وإن كان حلف ألا ينقصه يريد إن كان نوى إلا ينقصه باختياره شيئا من القائمة فليأخذ ما قضى له به ولا ينقص له من ذلك شيئا ولا يضع عنه منه شيئا، وقوله وإن كان أراد ألا يأخذ منه إلا عشرة قائمة يريد أو لم تكن له نية فلا يأخذ منه إلا عشرة قائمة، فإن لم يقض له عليه إلا بدنانير خروبة خروبة حنث إن أخذها إلا أن يحكم عليه بأخذها بسؤال الغريم ذلك، فيجري ذلك على الاختلاف فمن حلف ألا يفعل فعلا فقضي عليه به، وقد مضى ذلك في رسم سلعة سماها ورسم حلف من سماع ابن القاسم، وفي آخر سماع أشهب وبالله التوفيق.

.مسألة عليه حق لرجل فاتخذ عليه طلاق امرأته البتة أن يؤديه لأجل سماه:

وسئل عن رجل كان عليه حق لرجل فاتخذ عليه طلاق امرأته البتة أن يؤديه لأجل سماه، وللحالف وكيل يتقاضى له ويبيع له ويبتاع ويقوم بجميع حوائجه، فغاب الحالف عند الأجل فقضى عنه هذا الوكيل، هل ترى قضاه مخرجا ليمينه؟.
قال: لا يخرجه قضاؤه من يمينه إلا أن يكون أمره بذلك، قال: ولو كان لصاحب الحق مثل هذا الوكيل الذي وصفنا فغاب المحلوف له عند الأجل فقضى الحالف وكيله هذا كاف مخرجا من يمينه.
قال محمد بن رشد: إنما قال إن الحالف لا يبرأ إذا قضى عنه وكيله على البيع والابتياع والقيام بجميع حوائجه، من أجل أنه ليس بوكيل له على أن يقبض عنه، فهو في ذلك كالأجنبي، ولو كان وكيل له مفوض إليه أو على أن يقبض عنه ديونه فيبر إذا قضى عنه بغير علمه، وقد مضى هذا المعنى في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى من كتاب النذور، وسيأتي في سماع سحنون إذا قضى عنه السلطان من ماله، وقوله ولو كان لصاحب الحق مثل هذا الوكيل الذي وصفنا فغاب المحلوف له عند الأجل فقضى الحالف وكيله هذا كان مخرجا من يمينه، يريد ويبر الحالف بذلك من الدين الذي عليه لأنه وكيل يتقاضى فيبرأ الحالف من الدين الذي عليه بدفعه إليه، فدليل هذه الرواية أنه لا يبر في اليمين إلا بدفعه إلى وكيل إليه القبض فيبرأ من الدين بالدفع إليه خلاف ما في العشرة لابن القاسم أنه إذا دفع إلى وكيل له في ضيعته بر في اليمين، ولم يبرأ من الحق، وهو معنى ما في المدونة، وظاهر ما فيها أن ذلك يكون مخرجا له من يمينه، وإن كان يصل إلى السلطان، وكان القياس إذا لم يبرأ بذلك من الحق إلا أن يكون مخرجا له من يمينه إلا أن لا يصل إلى السلطان الذي يبرأ بالدفع إليه من الدين الذي عليه، وإلى هذا ذهب ابن لبابة، وساق ذلك على معنى ما في المدونة وأن يكون إذا أحضر الذهب وأتى به وأشهد على إتيانه به مخرجا له من الحنث، وإن لم يدفعه إلى هذا الوكيل الذي لا يبرأ بالدفع إليه كما يكون ذلك مخرجا له من الحنث مع العدول إذا لم يكن له وكيل ولا وصل إلى السلطان وبالله التوفيق.

.مسألة يكون تحته أربع نسوة فيحلف بالطلاق البتة إلا يحلف بالطلاق فيطلق واحدة:

وسئل عن الرجل يكون تحته أربع نسوة فيحلف بالطلاق البتة إلا يحلف بالطلاق فيطلق واحدة من نسائه، هل ترى عليه حنثا؟.
قال لا حنث عليه لأنه لم يحلف.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن من طلق لم يحلف بطلاق، ولو حلف بطلاق البتة إلا يطلق فحلف بالطلاق وحنث لحنث؛ لأن من حلف بالطلاق وحنث فقد طلق، وقد مضى بيان هذا في رسم يوصي قبل هذا وبالله التوفيق.

.مسألة قال لامرأته أنت علي كظهر أمي وهو يريد الطلاق:

ومن كتاب العشور:
قال ابن القاسم: من قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي وهو يريد الطلاق فهي ثلاث ولا ينوى لا تنفعه نيته إن نواها واحدة أو اثنتين.
قال محمد بن رشد: في كتاب ابن سحنون عن أبيه أن له ما نوى من الطلاق، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الظهار فيستغنى بذلك عن إعادته هنا وبالله التوفيق.

.مسألة نازعت زوجها فقالت له والله لأسيلن الخرق على ساقيك فقال لها أنت طالق:

ومن كتاب شهد على شهادة ميت:
وسئل عن امرأة نازعت زوجها فقالت له: والله لأسيلن الخرق على ساقيك، فقال لها: أنت طالق لتعلمن من يفعل ذلك بي.
قال ابن القاسم أخاف أن يكون قد حنث حين قال لتعلمن من يفعل ذلك بي إنما هو من قال لتعلمن من ذا الذي يفعله بي من هو؟ حتى يسيل عن ساقي ما قلت..
قال محمد بن رشد: المقصد المعلوم من إرادة المرأة، بهذا القول إنما هو ليفعلن به أشد ما يكون من النكال وأقبحه لا حقيقة ما ذكرت؛ إذ قد علم أنها لا تملك ذلك ولا هو داخل تحت استطاعتها، ويمين الزوج خرجت جوابا لها على ذلك بمعنى أنك لتعلمين أن الذي يقدر على أن يبلغ ذلك مني معدوم غير موجود لمنزلتي ومكانتي ومهابتي وقدرتي على الدفاع عن نفسي، فلذلك خشي ابن القاسم عليه الحنث فيما بينه وبين الله، وأما الحكم عليه بالطلاق فلا يصح إلا أن يقر على نفسه أنه أراد بكلامه ما يوجب الحنث عليه والله أعلم.

.مسألة حلف بالطلاق ليقضين رجلا حقه إلى أجل فحبس الحالف في السجن:

ومن كتاب جاع:
وسئل عن رجل حلف بالطلاق ليقضين رجلا حقه إلى أجل فحبس الحالف في السجن، فأرسل إلى صاحبه أن يجيئه فأبى أن يجيئه، قال يقضي السلطان ويدع ذلك يرتكص ولا حنث عليه.
قال محمد بن رشد: قوله يقضي السلطان معناه يوكل من السجن من يقضي السلطان ويكون ذلك مخرجا له من يمينه، وإنما يصح ذلك إن كان المحلوف له قد غاب عن البلد، وأما إن كان حاضرا فالسلطان يحضره ويجبره على قبض حقه إلا أن يكون مما لا يجبر على قبضه كعارية غاب عليها فتلفت عنه وما أشبه ذلك فيبرأ من يمينه على دفع ذلك إليه بدفعه إلى السلطان وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى لامرأته ثوبا بدينار فسخطته فقال لها أنت طالق إن رددته:

وسئل عن رجل اشترى لامرأته ثوبا بدينار فسخطته فقال لها: أنت طالق إن رددته إن كسوتك ثوبا بدينار وهو ينوي بأكثر أو بأقل فذهب إليه ليرده فلم يقبله البائع أو بدا له في رده بعد اليمين.
قال هو سواء بدا له أو أبى أن يقيله ليس يلزمه من يمينه شيء حتى يقيله، ومثلها لي قال: أرأيت لو كان قال: امرأته طالق إن لم ترده فذهب به ولم يقبله البائع أليس قد حنث؟ فهذا يعلم أن الرد إنما هو القبض له من البائع، قلت فلو كان بائع الثوب اتخذ عليه طلاق امرأته حين باعه ألا يرده عليه، فأتى به ليرده فلم يقبله منه؟ قال، هذا حانث قبله أو لم يقبله؛ لأنه إنما كره البائع شغبه ورده، فإذا رده فهو حانث، فهذه الوجوه تختلف، وإنما تحمل على ما كان قبلها على شبهها ومساقها.
قال محمد بن رشد: أما إذا كان البائع هو الذي استحلف المشتري ألا يرده عليه فلا اختلاف في أنه يحنث بقيامه إياه عليه في الرد قبله أو لم يقبله قضي له عليه برده أو لم يقض له بذلك، وأما إذا لم يسأل ذلك البائع وإنما حلف إلا يرده لشيء جرى له مع غيره فقال هاهنا: إنه لا يحنث إلا بقبول البائع له أورده إياه عليه بالحكم، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ وروايته عن ابن القاسم وحكى عن أصبغ أيضا في موضع آخر أنه إذا رده فقد لزمته اليمين قبله البائع أو لم يقبله، قال عبد الملك: وهذا بين عندنا، وأما إذا حلف ليردنه فلا اختلاف في أنه لا يبر إلا بقبول البائع له أو الحكم بذلك عليه؛ لأن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه وبالله التوفيق.

.مسألة يقول لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق فتزوج أخته جاهلا بها:

وسئل عن الرجل يقول لامرأته إن لم أتزوج عليك فأنت طالق فتزوج أخته جاهلا بها، هل يخرجه ذلك من يمينه؟ قال: لا يخرجه ذلك من يمينه قلت: فلو قال امرأتي طالق إن لم نشتر عبدا مملوكا فاشترى أباه؟ قال: لا يخرجه ذلك من يمينه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن نكاح أخته لا يحل له المقام عليه، فلا يبريه إذ لا يبر إلا بنكاح لو شاء أن يقيم عليه أقام من أجل أن البر لا يكون إلا بأكمل الوجوه، وكذلك لو تزوج تزويجا حراما يفسخ قبل الدخول وبعده، كالذي يحلف ليشترين سلعة فيشتريها شراء فاسدا فيعثر عليه قبل أن يفوت فيفسخ البيع في الذي اشترى أباه أحرى ألا يبر بشرائه إذ لا يقع عليه ملك وبالله التوفيق.

.مسألة أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها:

وسئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة فقالت له أمه: إنها أختك من الرضاعة قد أرضعتها، وتحت الرجل امرأة أخرى، فقال الزوج: امرأته التي تحته طالق إن كانت لي حلالا إن لم أتزوجها.
فقال: أرى أن تطلق امرأته التي تحته ولا يتزوجها، فإن اجترأ وتزوجها لم يقض عليه بطلاقها لأنه لا يكون في الرضاع إلا امرأتان.
قال محمد بن رشد: المسألتان مفترقتان بأن الأولى لها بساط فينوى بها مع قيام البينة، والثانية لا بساط لها فلا ينوى فيها إلا إذا جاء مستفتيا. وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بالطلاق ألا يستعير من رجل سماه شيئا فاستعار من امرأته:

ومن كتاب النسمة:
وقال في رجل حلف بالطلاق ألا يستعير من رجل سماه شيئا فاستعار من امرأته، هل تراه حانثا؟.
قال: إن كان استعار من امرأته مالا من مالها فلا شيء عليه، وإن استعار منها مالا لزوجها فأعارته فهو حانث.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه حمل يمينه على أنه إنما كره الانتفاع بشيء من ماله إما لخبث أصله وإما لأن لا يكون عليه بذلك منة، فلذلك قال إنه يحنث إن كان استعار منها، ما هو لزوجها فأعارته ولو كان لم يحلف إلا من أجل أنه كره أن يرده، لا لما سوى ذلك لما كان عليه حنث في استعارته من امرأته ما هو من مالها أو ماله، والله أعلم.

.مسألة أتاه يستسلفه دراهم فقال امرأته طالق إن كان في تابوتي دنانير:

قال ابن القاسم في رجل أتاه يستسلفه دراهم، فقال امرأته طالق إن كان في تابوتي دنانير ومعي دينار، وفي تابوته دينار ومعه دينار، وإنما أراد أن يقول امرأته طالق البتة إن كان في تابوته دراهم أو معي دراهم، فأخطأ فقال ذلك.
فقال لا شيء عليه ولا يحنث. وكذلك لو أراد أن يقول امرأته طالق إن لم يكن كلم عبد الله بن عبد الرحمن أمس أو لقيه، فأخطأ فقال امرأته طالق إن لم يكن لقي عبد الرحمن بن عبد الله أمس وكلمه فهذا لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: المسألتان مفترقتان بأن الأولى لها بساط فينوى بها مع قيام البينة، والثانية لا بساط لها فلا ينوى فيها إلا إذا جاء مستفتيا. وبالله التوفيق.

.مسألة قال إن صليت ركعتين فامرأتي طالق فصلى ركعة وانصرف:

قال ابن القاسم في رجل قال إن صليت ركعتين فامرأتي طالق، فصلى ركعة وانصرف. قال ابن القاسم: هو حانث تطلق عليه لأنه قد صلى ولا ينوى، وكذلك إن قال إن صمت غدا فامرأتي طالق فبيت الصيام فطلع الفجر وهو مجمع على الصيام ثم أفطر بعد طلوع الفجر فهو حانث أيضا. ولو أحرم ولم يركع كان حانثا.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحنث وقع عليه بالشروع في الصلاة والصيام، فتركه التمادي على ذلك لا يسقط عنه ما قد لزمه من الطلاق، وقوله ولا ينوى معناه مع قيام البينة، وأما لو أتى مستفتيا وقال إنما نويت أنها طالق إن أتممت ركعتين أو صوم النهار وعلى ذلك عقدت يميني فكانت له نيته فيما بينه وبين ربه إن كان صادقا وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يكلم رجلا فكاتبه ثم رد الكتاب قبل أن يصل إليه فخرقه:

قال ابن القاسم من حلف ألا يكلم رجلا فكاتبه ثم رد الكتاب قبل أن يصل إليه فخرقه ولم ينفذه فلا حنث عليه ولا شيء، وكذلك قال لي مالك وقال ابن وهب مثله.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إن رد الكتاب قبل أن يصل إليه لا يحنث إذ لا يحنث الحالف إلا بقراءة المحلوف عليه كتابه لا بوصوله إليه، ولو وصل إليه فأخذه وأمسكه ولم يقرأه لم يحنث الحالف إلا أن يكون معنونا فإنه يحنث بقراءة العنوان، وقوله في المدونة عقب هذه المسألة وهو آخر قوله لا يعود عليها، إذ لا اختلاف فيها، وإنما يعود على المسألة التي قبلها، سواء كتبه مجمعا على إرساله أو غير مجمع على ذلك، بخلاف المسألة التي تأتي بعدها في كتاب الرجل إلى امرأته بالطلاق وبالله التوفيق.

.مسألة كتب بطلاق امرأته ثم بدا له فحبس الكتاب:

قال ابن القاسم قال مالك في رجل كتب بطلاق امرأته ثم بدا له فحبس الكتاب.
قال: إن كتبه مجمعا على الطلاق فقد حنث حبسه أو لم يحبسه وإن كان إنما كتبه ليتخير فيه وينظر ويستشير فإن رأى أن يمضيه أمضاه، وإن رأى أن يحبسه حبسه فلا شيء عليه إذا حبسه، قال ابن القاسم: وإن أخرجه من يده فهو حانث وإن رده وأدركه قبل أن ينتهي لم ينفعه، قال ابن وهب مثل ذلك كله، وقد قال: هو حانث إلا أن يكون حين أخرج الكتاب من يده إلى الرسول غير عازم فله أن يرده إن أحب ما لم يبلغها.
قال محمد بن رشد: الرجل في كتابه إلى امرأته بالطلاق محمول على الإجماع إذا لم تكن له نية، فإذا كتب الرجل إلى امرأته بالطلاق فليس له أن يحبس الكتاب إلا أن يكون كتبه على أن يستشير وينظر فإذا أخرج الكتاب من يده وهو مجمع على الطلاق أو وهو لا نية له فليس له أن يرده، وأما إن كان أخرجه من يده على أن يرده إن أحب فقيل: له أن يرده، وقيل ليس له أن يرده على ما ذكر هاهنا من الاختلاف في ذلك، وقد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في سماع أشهب من كتاب طلاق السنة وفي سماع أصبغ من كتاب التخيير والتمليك فلا معنى لإعادة ذلك هنا وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بطلاق امرأته ألا يدخل بيت فلان فيدخل داره ولم يدخل البيت:

ومن كتاب الرهون:
وعن رجل حلف بطلاق امرأته ألا يدخل بيت فلان فيدخل داره ولم يدخل البيت أنه إن كانت الدار لا تدخل إلا بإذن ولو سرق منها شيء قطع سارقه فإني أرى إذا دخل فقد حنث، وإما إن كانت دارا جامعة لناس شتى تدخل بغير إذن ولو كان سرق منها شيء لم يقطع سارقه إنما هي كالطريق فلا أراه حنث، قال ابن القاسم: لا شيء عليه إلا أن يكون نوى الدار إلا أن يكون قال منزله، فإن الدار هي المنزل إلا أن تكون دارا مشتركة فيكون هذا التفسير فيها.
قال محمد بن رشد: مالك هو المسئول المجيب، وقوله أظهر من قول ابن القاسم؛ لأنه على المشهور في المذهب من اعتبار المعاني في الأيمان وترك الاقتصار على مجرد الألفاظ؛ لأن الحالف ألا يدخل بيت رجل إنما يريد ألا يدخل مسكنه، ومسكنه هي داره التي ينفرد بسكناها ولا يشاركه أحد فيها حتى يجب القطع على من سرق منها كما يجب على من سرق من بيته الذي يبيت فيه، وعلى هذا يأتي قوله في مسألة التغيب من آخر سماع أشهب، وأما ابن القاسم فراعى لفظ البيت وحمل يمين الحالف عليه فلم ير عليه في دخوله داره حنثا ما لم يدخل بيتا مبيته، وإنما يحنث عنده بدخول الدار إذا حلف على ألا يدخل منزله إلا أن تكون دارا مشتركة فلا يحنث إلا بدخول ما لم يشاركه أحد فيه وهو شاذ في المذهب، وسيأتي من قوله في سماع أبي زيد خلاف قوله هنا مثل قول مالك والمشهور في المذهب والله أعلم.